قصة أصحاب السبت

وردت هذه القصة في سورة البقرة، كما ورد ذكرها بتفصيل أكثر في سورة الأعرف الآيات. 163-166:

أصحاب هذه الحادثة جماعة من اليهود كانوا يسكنون في قرية ساحلية وقد اختلف المفسّرون في اسمها. أما القرآن الكريم فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها.

وكان اليهود لا يعملون يوم السبت، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله، فقد فرض الله عليهم عدم الاشتغال بأمور الدنيا يوم السبت، بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوماً للراحة والعبادة لا عمل فيه سوى التقرب إليه بأنواع العبادة .

وجرت سنّة الله في خلـقه وحان موعد الاختبار والابتلاء، اختباراً لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله، وابتلاءً يخرجون بعده أقوى عزماً وأشدّ إرادةً، وتتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع، والصمود أمام المغريات.

لقد ابتلاهم الله عز وجل بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت إلى الساحل، وتتراءى لأهل القرية بحيث يسهل صيدها، ثم تختفي بقية أيام الأسبوع. فانهارت عزائم فرقة منهم، واحتالوا بأنواع الحيل –على سجية اليهود المعروفة - وبدأوا بالصيد يوم السبت. لم يصطادوا السمك مباشرة، وإنما أقاموا الحواجز والحفر، فإذا قدمت الحيتان تعلقت بشباكهم وحبست خلف الحواجز المقامة ، بمعنى أنها اصطيدت يوم السبت، ولكنّهم يستخرجونها من تلك الحفر يوم الأحد. ولم يكن مثل هذا الاحتيال بخافٍ على أقلِّ العقلاء ، أنّه بمثابة صيدٍ وهو محرّم عليهم، فكيف بمن يعلم السرّ وأخفى.

فانقسم أهل القرية إلى ثلاثة فرق، فرقة عاصية تصطاد بالحيلة، وفرقة لا تعصي الله بل تقف موقفا إيجابيا مما يحدث، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المكر وتحذّر المخالفين من غضب الله، وفرقة ثالثة سلبية، لا تعصي الله لكنها لا تنهى عن المكر.

وكانت الفرقة الثالثة تجادل الفرقة الناهية عن المنكر وتقول لهم: ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟ إنهم لن يوقفوا احتيالهم، وسيصيبهم عذاب أليم بسبب أفعالهم، فلا فائدة من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم الحرمات.

وبصرامة المؤمن العارف بتكليفه الإلهي، كان الناهون عن المنكر يجيبون: إننا نقوم بواجب الأمر بالمعروف وإلنهي عن المنكر، ليرضى الله سبحانه بذلك عنا، فلا يشملنا العذاب إذا نزل، ولاتكون علينا حجة يوم القيامة بتركنا النهي عن المنكر، ثمّ لربما تنفعهم هذه الكلمات فيعودون إلى رشدهم ويتركون غيّهم.

بعدما أصرّ العصاة المحتالون على موقفهم، ولم تجد كلمات المؤمنين أذناً صاغيةً منهم، جاء أمر الله وحلّ بالعصاة العذاب الأليم . فلقد عذّب الله الفرقة العاصين، وأنجى الذين كانوا ينهون عن السيّئات. أما الفرقة الثالثة التي لم تعص الله ولم تنه عن المنكر، فقد سكت النصّ القرآني عنها، إمّا تهويناً لشأنها كما قيل وإن لم تؤخذ بالعذاب ، إذ أنـّها قعدت عن الإنكار الإيجابي, ووقفت عند حدود الإنكار السلبي، فاستحقت الإهمال وإن لم تستحقّ العذاب ، وإمّا أنـّه قد شملها العذاب مع الهالكين لتركها فريضة إنكار المعاصي والذنوب... والله أعلم .

لقد كان العذاب شديداً، حيث مسخهم الله في الدنيا قردةً وادّخر لهم في الآخرة عقابا أليماً، لإمعانهم في المعاصي وتحايلهم على أحكام الله ، فأراد ربّ العزّة أن يجعلهم عبرةً ومثلاً لسواهم .

وتحكي الروايات أنّ الناهين عن السيئات أصبحوا ذات يوم في بعض مجالسهم، فلم يخرج من العاصين أحد إلى نواديهم ، فتعجبوا من ذلك وذهبوا لينظروا ما الأمر، فوجدوهم قد أصبحوا قردة. فعرفت القردة قراباتهم من الناس لأنهم بقوا على صورة الإنسان, بينما لم يعرف الناس أقرباءهم من القردة،لتشابه القردة فيما بينهم، فجعلت القردة تأتي إلى عشائرها فتشمّ ثيابهم و تذرف الدموع باكيةً عندهم ، فيقولون لهم : ألم ننهكم عن المعاصي؟! فتهزّ برأسها كأنها تقول : نعم.

وهكذا يسدل الستار على قصة أصحاب السبت من بني إسرائيل،الذين عاشوا على ساحل البحر مستفيدين من نعم الله التي أودعها فيه ، لكنّهم عصوا الله بدل أن يشكروه ،فكانت معاصيهم وذنوبهم سبباً في تشديد الامتحان عليهم ، حيث لا تأتيهم الأسماك قريبا من سواحلهم إلا يوم السبت الذي حرم الله عليهم فيه الصيد ، ولو أطاعوا الله لردّ الخير إليهم وفتح أبواب الرزق عليهم ، ولكنّهم أصرّوا واستكبروا وتحايلوا على أحكام الله، فذاقوا وبال أمرهم ،ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ، وما ربك بظلام للعبيد

عشتي يا مبدعه